﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ﴾ تيسيرا من الله للحاج والمعتمر إن منع عن إتمامهما بعدو أو مرض، فقد رفع عنه الحرج، فإن أرادا التحلل من الإحرام فعليه ذبح ما تيسر سواء بقرة أو شاة... في الحرم أو في مكان الإحصار، قال ابن كثير في تفسيره: [ذكروا أن هذه الآية نزلت في سنة ست أي عام الحديبية حين حال المشركون بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الوصول إلى البيت، وأنزل الله في ذلك سورة الفتح بكمالها وأنزل لهم رخصة أن يذبحوا مت معهم من الهدي...][1].
﴿وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ نهى الله عن التحلل من الإحرام بالحلق أو التقصير (من أحكام الحج والعمرة)، لكن أباح ذلك للمريض أو المتأذي على أن يفدي، والفدية تكون إما بصيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين، أو ذبيحة شاة.
﴿فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ فإذا كان الأمن من أول الأمر أو بعد الإحصار فعلى المعتمر ذبح شاة أو بقرة أو بعير شكرا لله، أما من لم يملك ثمن الهدي فعليه صيام ثلاثة أيام من أول شهر ذي الحجة إلى يوم التاسع، وسبعة عند العودة إلى الأوطان – الذبح والتمتع خاص بغير أهل الحرم – فهذه عشرة أيام تجزئ عن الذبح.
﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ أمر الله تعالى بتقواه والتقوى﴾ فعل أوامره واجتناب نواهيه، وتوعد بالعقاب من يخالفه.
﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَج﴾ الحج وقت معلوم: شوال، ذو القعدة، العشر الأوائل من ذي الحجة، فحين يلزم المسلم نفسه بالحج فلا يخاصم ولا يقرب النساء ويبتعد عن المعاصي حتى يكون حجه مبرورا.
﴿وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ﴾ فالله يجزي كل عامل عما عمل، ويعلم المحسنين منهم.
﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِي يَا أُوْلِي الْأَلْبَابِ﴾ يأمر الله بالتزود لسفر الحج من أكل وشراب، فقد كان الحجاج لا يتزودون فيتسولون في الحج، ثم عقب أن خير ما يتزودوا به هو التقوى، ثم دعا إلى تقاته كل ذي عقل وفهم.
﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ﴾ رفع الله تعالى الحرج على من سعى إلى تجارة دنيوية، فهذا لا يتنافى مع الحج، فلقد كان المسلمون يتأثمون من ذلك، فأباح لهم القرآن ممارسة التجارة في موسم الحج، فالحج مقصد أساسي، أما التجارة فهو مقصد تبعي.
﴿فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنْ الضَّالِّينَ﴾ بعد الوقوف بعرفة أمر تعالى بذكره (التسبيح والتهليل والتكبير) عند المشعر الحرام بالمزدلفة، وشكره على الهداية إلى الإيمان بعد الضلال ﴿...وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ...﴾ [سورة الأعراف الآية 43].
﴿ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ﴾ كانت قريش تترفع على الناس أن يقفوا معهم، فيقفون في المزدلفة لأنها من الحرم ثم يفيضون منها، فأمر الله تعالى أن يفيضوا من عرفات لا من المزدلفة.
﴿وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ استغفار الله عما سلف من المعاصي، والله هو الغفور الرحيم.
﴿فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا﴾ عند الانتهاء من مناسك الحج وأعماله لابد من ذكر الله، وأشار تعالى إلى عادة جاهلية حيث كانوا يتفاخرون بآبائهم ويذكرون مآثرهم وقد نهى عنها.
﴿فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ﴾ من الناس من يجعل همه الأكبر الدنيا، فلا يدعو إلا بنصيب منها، ثم لا يكون له نصيب في الآخرة.
﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ فالمؤمن العاقل يحرص على خيري الدنيا والآخرة، فحسنة الدنيا تتمثل في الصحة والمال... وحسنة الآخرة تيسير الحساب والأمن من الفزع الأكبر ودخول الجنة والنجاة من النار ورضوان الله تعالى...
﴿وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ فالحساب قريب.
﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنْ اتَّقَى﴾ تكبير الله في أيام التشريق، ورفع الحرج عمن تعجل ورجع من منى، وعمن تأخر.
﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ فالتقوى هو الأمان من المعاصي، وربط الله تعالى التقوى بالحج فسفر الحج فيه تقوى وبعده كذلك.
﴿وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ تذكير بالحشر وما وراءه من حساب وعقاب، والتقي هو من يعد لهذا اليوم العظيم، قال تعالى: ﴿وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ﴾ [سورة البقرة الآية 281].