تركيا (بالتركية: Türkiye) تعرف رسميًا بالجمهورية التركية (بالتركية: Türkiye Cumhuriyeti) استمع (؟·معلومات) هي دولة تقع في الشرق الأوسط. يحدها من الشمال البحر الأسود وجورجيا ومن الشرق أرمينيا وإيران ومن الجنوب العراق وسوريا والبحر المتوسط مع حدود بحرية مع وقبرص ومن الغرب بحر إيجة واليونان وبلغاريا.[6][7] هي عضو في منظمة التعاون الاقتصادي للبحر الأسود.
تركيا دولة علمانية ديمقراطية، وحدوية، جمهورية دستورية ذات تراث ثقافي قديم. أصبحت تركيا متكاملة على نحو متزايد مع الغرب من خلال عضويتها في منظمات مثل مجلس أوروبا وحلف شمال الأطلسي، منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، منظمة الأمن والتعاون في أوروبا وفي مجموعة العشرين (الاقتصادات الرئيسية في العالم). وبدأت تركيا مفاوضات العضوية الكاملة مع الاتحاد الأوروبي في عام 2005، مع العلم أنها كانت عضوًا منتسبًا السوق الأوروبية المشتركة منذ عام 1963، وفي عام 1995، تم التوصل إلى اتفاق الاتحاد الجمركي. وقد عززت تركيا أيضًا علاقات ثقافية وثيقة وسياسية واقتصادية وصناعية مع الشرق الأوسط، والدول التركية في آسيا الوسطى والبلدان الأفريقية من خلال عضويتها في منظمات مثل مجلس تركيا، والإدارة المشتركة للفنون والثقافة التركية، ومنظمة التعاون الإسلامي ومنظمة التعاون الاقتصادي. موقع تركيا على مفترق الطرق بين أوروبا وآسيا جعل منها بلدًا ذات أهمية جيواستراتيجية كبيرة.[8][9][10]. ونظرا لموقعها الاستراتيجي، والاقتصاد والقوة العسكرية الكبيرة، تعتبر تركيا قوة إقليمية كبرى.[10][11]
يقع مضيقا البوسفور والدردنيل وبحر مرمرة - التي تصل البحر الأسود ببحر إيجة وتصل آسيا بأوروبا - في أراضيها مما يجعل موقعها إستراتيجيا ومؤثرًا على الدول المطلة على البحر الأسود. كانت تركيا مركزًا للحكم العثماني حتى عام 1922م إلى أن تم إنشاء الجمهورية التركية عام 1923 على يد مصطفى كمال أتاتورك.
أصل التسمية
ويمكن تقسيم اسم تركيا، Türkiye في اللغة التركية، إلى مكونين هما : الاسم القومي Türk، الذي يشير إلى القومية/الشعب التركي، ويضاف إلى الكلمة المقطع iye التي تأتي بمعاني «المالك»، «أرضنا» أو «المرتبط بنا». (المشتقة من المقطع iyya المأخوذ من اللغة العربية، المشابه للمقطع –ia في اللغة اليونانية واللاتينية). يرجع أول استخدام مسجل لمصطلح «Türk»، أو «Türük»، باعتبارها اسم خارجي إلى كتابات غوكتورك (Göktürks أو Kök Türks) بالأبجدية التركية القديمة، في آسيا الوسطى (القرن الثامن الميلادي). Tu–kin وهو والاسم الذي أعطي من قبل الصينيين -في وقت مبكر من 177 قبل الميلاد- الذين يعيشون إلى الجنوب من جبال ألتاي في آسيا الوسطى. الكلمة الأنجليزية «Turkey» من الكلمة Turchia في العصور اللاتينية الوسطى (1369).[12] المشابهة لهذا الاسم في اليونانية، Tourkia، المستخدم أصلا من قبل البيزنطيين الإغريق في القرون الوسطى لوصف المجر.[13] [14] (المجريين والأتراك لهم صلات الأجداد)، لكنها بدأت لاحقًا استخدام هذا الاسم لتحديد الأجزاء التي تسيطر عليها السلاجقة في الأناضول في القرون التي تلت معركة ملاذكرد في عام 1071.
جزء من أسوار طروادة (السور السابع)، كما حدد في موقع حرب طروادة (حوالي العام 1200 قبل الميلاد).
جزيرة الأناضول، والتي تضم معظم تركيا الحديثة، وتعتبر واحدة من أقدم المناطق السكنية في العالم. وأقدم مستوطنات سكنية تعود إلى العصر الحجري الحديث.[15] ظهرت مستوطنة طروادة في العصر الحجري الحديث واستمرت حتى العصر الحديدي، ووصلنا من خلال التاريخ المسجل أن الاناضول قد تحدثت بلغات هندو أوروبية، والكارتفيلية، والسامية، فضلاً عن غيرها من اللغات.[16] جاء الحيثيون من الهند الأوروبية إلى الأناضول تدريجيًا من الفترة 2000-1700 ق.م. حين تم تأسيس أول امبراطورية كبرى في المنطقة من قبلهم في القرن الثامن عشر قبل الميلاد وحتى القرن الثالث عشر. استعمر الآشوريين أجزاء من جنوب شرق تركيا في وقت يرجع إلى عام 1950 قبل الميلاد حتى عام 612 قبل الميلاد، عندما تم غزو الامبراطورية الآشورية من قبل الأسرة الكلدانية في بابل.[17][18]
مكتبة سيلسوس في أفسس عام 135 م.
حكم الفيرجيون آسيا الصغرى بعد انهيار الإمبراطورية الحيثية في القرن الثالث عشر قبل الميلاد وحتى انهيارهم وصعود ليديا في القرن السابع قبل الميلاد.[19] أسست العديد من المدن الهامة من هذه المستعمرات، مثل ميلتوس، أفسس، سميرنا (ازمير حاليا)، وبيزنطة (القسطنطينية التي أصبحت في وقت لاحق اسطنبول). سميت أول دولة أنشئت في الأناضول من قبل شعوب المجاورة باسم أرمينيا. غزي الأناضول من قبل الامبراطورية الفارسية الأخمينية خلال القرن الخامس والسادس وسقطت لاحقا بيد الإسكندر الأكبر في عام 334 قبل الميلاد.[20] بعد ذلك تم تقسيم الأناضول إلى عدد من الممالك الصغيرة الهلنستية (هي بيثينيا، كابادوكيا، برغامس، والبنطس)، والتي استسلمت للجمهورية الرومانية في منتصف القرن الأول قبل الميلاد.[21] في عام 324 اختار الامبراطور الروماني قسطنطين بيزنطة لتكون العاصمة الجديدة للإمبراطورية الرومانية واطلق عليها اسم روما الجديدة (التي أصبح اسمها القسطنطينية لاحقًا وبعد لك إسطنبول). وأصبحت القسطنطينية مركز المسيحية الشرقية ومركز حضاري عالمي.[22] بعد سقوط الامبراطورية الرومانية الغربية، وأصبحت عاصمة الإمبراطورية البيزنطية (الامبراطورية الرومانية الشرقية).[23] عقدت في تركيا أغلب المجامع المسكونية بحكم كونها عاصمة الإمبراطورية لعلّ أهمها مجمع نيقية ومجمع أفسس ومجمع خلقيدونية؛ تاخمت الدولة البيزنطيّة حدود الدولة الأموية عند جبال طوروس والتي عُرفت باسم "دول الثغور" التي تناوب على حكمها الطرفين، حتى تمكن السلاجقة من احتلال أواسط الأناضول وتأسيس مملكة مُسلمة فيها، كذلك فقد تمكن خلال القرن العاشر البيزنطيون استعادة طوروس واحتلّوا أنطاكية وحلب قرابة القرن. خلال العصر الذهبي للالامبراطورية البيزنطية خاصًة تحت حكم الأسرة المقدونية والكومنينيون ففي عهدهم مرت الامبراطورية البيزنطية نهضة ثقافية وعلمية وكانت القسطنطينية في عهدهم المدينة الرائدة في العالم المسيحي من حيث الحجم والثراء والثقافة.[24] خلال الحروب الصليبية، تأسست مملكة قونية في جنوب تركيا الحاليّة إلى جانب إمارة أنطاكية، وتحالفت الإمبراطورية البيزنطيّة مع الوافدين غير مرّة لعل أشهرها مع مملكة بيت المقدس بهدف احتلال مصر، غير أن الحملة فشلت. يذكر أن الحملة الصليبية الرابعة قد اتجهت صوب القسطنطينية نفسها واحتلتها عام 1261 غير أن الدولة لم تعمّر طويلاً، ورغم إعادة تكوّن الإمبراطوريّة البيزنطيّة في القرن الرابع عشر لم تكن دولة قويّة ولم تكتسب مجددًا مجدها السابق، أما داخل تركيا الحالي أيْ الأناضول، كان مقسمًا إلى دويلات ومقاطعات إسلاميّة صغيرة متناحرة طوال القرنين الرابع عشر والخامس عشر، إلى أن سطع نجم عثمان الأول محاربًا البيزنطيين ومحتلاً مدنًا وحصونًا تحت سيطرتهم، ثم قام وخلفاؤه بالاستدارة صوب الممالك الصغيرة المجاورة قاضمًا إياها الواحدة تلو الأخرى مؤسسًا بذلك الدولة العثمانية.[25]
الدولة العثمانية
توسّع الدولة العثمانية منذ قيامها حتى بداية دور الركود في سنة 1683.
حكم عثمان الأول مملكته حتى 1326، وبعد وفاته أصبح أورخان ابنه سلطانًا استطاع احتلال بورصة وعمل على توسيع حدود الدولة وتنمية اقتصادها،[26] عمل أورخان على توسيع الدولة، فنشأ بينه وبين البيزنطيين صراعٌ عنيف كان من نتيجته استيلاؤه على مدينتيّ إزميد ونيقية. وفي عام 1337 شنّ هجومًا على القسطنطينية عاصمة البيزنطيين نفسها، ولكنه أخفق في احتلالها.[27] شهدت الدولة في عهد أورخان أوّل استقرار للعثمانيين في أوروبا، وأصبحت الدولة العثمانية تمتد من أسوار أنقرة في آسيا الصغرى إلى تراقيا في البلقان،[28][29] وعمل على نشر الإسلام.
من المحطات البارزة في عهد تكوّن الدولة العثمانية، سيطرة بايزيد الأول على مدينة آلاشهر آخر ممتلكات الروم في آسيا الصغرى، وأخضع بلغاريا عام 1393. وعند احتلال بلغاريا أصيبت أوروبا بالذعر وحشدت بطلب البابا بونيفاس التاسع حملة صليبية شاركت فيها المجر وفرنسا وبافاريا ورودس والبندقية وإنكلترا والنمسا وفرسان القديس يوحنا غير أنها وبنتيجة معركة نيقوبولس فشلت.[30][31] في عام 1402 سقطت تركيا والدولة العثمانية بيد تيمورلنك بعد هزيمة العثمانيين في معركة أنقرة، وكان من نتيجة المعركة أسر السلطان ونقله إلى سمرقند، عاصمة الدولة المغولية حيث مكث فيها إلى أن توفي عام 1403.[32]
شهد العرش العثماني شغورًا بعد وفاة بايزيد الأول، ونشبت حروب أهليّة ضاريّة إلى أن تمكن محمد الأول من الاستفراد بالحكم،[33] ومن بعده جاء محمد الثاني وفي عهده تمكن العثمانيون من فتح القسطنطينية ناقلين إليها عاصمة الدولة،[34] وغدا اسمها "إسلامبول" أي "تخت الإسلام" أو "مدينة الإسلام".[35] تابع محمد الفاتح حروبه التوسعيّة واحتلّ أجزاءً من اليونان والبوسنة والهرسك وألبانيا. بعد وفاته، وقعت حرب أهلية جديدة بين ولديه جمّ وبايزيد الثاني، ولما كانت الغلبة من نصيب الثاني تمكنّ من توحيد عرش الإمبراطورية تحت رايته مجددًا.[36]
معركة موهاج والغزو العثماني للمجر، بريشة بيرطلان سيزيكيلي.
توفي بايزيد الثاني عام 1512 وغدا سليم الأول سلطانًا، وفي عهده توّسع العثمانيون جنوبًا وشرقًا، فهزم الصفويين والمماليك وفتح العثمانيون أغلب الشرق الأوسط بعد معركة مرج دابق عام 1516، بما فيها المدن الإسلامية المقدسة أي مكة والمدينة المنورة والقدس، وقد غدا سليم الأول بعد هذا "الفتح" سلطانًا وخليفة. بعد وفاته عام 1520، ارتقى العرش ابنه سليمان القانوني الذي وصلت الدولة في عهده إلى أوج قوتها عسكريًا واقتصاديًا وعلى صعيد السياسة الخارجيّة إذ شهد عهد القانوني أول تحالف بين العثمانين وأوروبا ممثلة بفرنسا ضد أوروبا نفسها،[37] أما أبرز الفتوح كانت في جنوب المجر وترانسلفانيا ورودوس في الغرب،[38] وبغداد وتبريز في الشرق.[39] توفي القانوني عام 1566، وأخذ نجم الدولة بالأفول من بعده وبشكل تدريجي، تابعت الدولة توسعها بضمّ قبرص وتونس في عهد سليم الثاني، وهزموا في بوخارست في عهد سليم الثالث، وأخذت الفرق العسكرية العثمانية المعروفة باسم الإنكشارية تتحول من أداة قوّة الدولة إلى أداة ضعفها فخلعت عددًا من السلاطين والصدور العظام وقتلت البعض الآخر أمثال إبراهيم الأول، كما أن الثورة الصناعيّة في أوروبا والاكتشافات الحديثة التي مكنت الغرب من تطوير نظام جديد للحياة بقي بعيدًا عن الدولة العثمانيّة، التي مكثت نظامًا زراعيًا وإقطاعيًا على هامش التطور الحاصل في الغرب. حتى المناطق التي دانت بيُسر للدولة أمثال سوريا العثمانية أخذت تنتفض وتحاول الاستقلال؛ تُعرف هذه المرحلة في التاريخ العثماني باسم "مرحلة الجمود" وتستمر إلى القرن التاسع عشر حين أخذ السلاطين يسعون لنقل التحديث الأوروبي بحذافيره إلى البلاد، فأدخل الزيّ الغربي والمدارس الأوروبية وألغيت الإنكشارية واستبدلت بفرق نظاميّة في عهد محمود الثاني، وتابع خليفته عبد المجيد الأول الإصلاح الذي عُرف باسم "فترة التنظيمات" وفيها أخذت المحاكم التجارية والمدونات القانونيّة بالظهور فضلاً عن المساواة بين المواطنين، وهو ما استمرّ في عهد خليفته عبد العزيز الأول؛ مكث تحقيق الإصلاحات بشكل جديّ صعبًا، وتوالت هزائم الدولة وانسلاخ الأقاليم عنها على سبيل المثال انسلخت الجزائر عام 1830 بعد احتلالها من قبل فرنسا؛ وربما فإن تدهور وضع الدولة المالي هو العامل الأساس في ذلك، مع الامتيازات التجاريّة الأوروبية وانخفاض قيمة النقد العثماني حتى اضطرت إلى إعلان إفلاسها مرّتين. حاول عبد الحميد الثاني الذي وصل إلى العرش عام 1878، إيقاف العمل بالإصلاحات التي توّجت بإعلان الدستور العثماني وافتتاح البرلمان، ما عرّضه لنقمة المُصحلين.
فشل عبد الحميد الثاني في السيطرة على الدولة، وأصبح الاتحاديون حكام البلاد الفعليين، فعمدوا على تكريس القومية التركيّة في البلاد وعمدوا إلى تعميم الهويّة التركيّة في البلاد المجاورة. خلال الحرب العالمية الأولى، كانت الدولة جزءًا من دول المحور التي أصيبت بالهزيمة واضطرت إلى إخلاء جميع أراضيها الغير تركيّة مع هدنة مودروس عام 1918. تتهم الدولة العثمانية أيضًا خلال الحرب العالمية الأولى بارتكاب مجازر بحق الآشوريين وبحق الأرمن.
الجمهورية التركية
مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس وأول رئيس لجمهورية تركيا.
كانت تركيا مركزًا للحكم العثماني حتى عام 1922. وفي سنة 1922، تم خلع آخر السلاطين محمد السادس، وألغى مصطفى كمال أتاتورك الخلافة نهائيًا في العام 1924، بعد أن ألغي السلطنة في العام 1922.[40] وشهدت تركيا بعد الحرب العالمية الأولى حركة قومية قادها مصطفى كمال أتاتورك والتي تعني "أبو الأتراك"، وأعلن تركيا الجمهورية فتولى رئاستها عام 1923، حتى وفاته عام 1938، وقد تمكن من إحلال نظام علماني في البلاد، وأرسى أيضًا عددًا من العادات الغربيّة إلحاقًا للبلاد بأوروبا ومنها واستبدل الكتابة بالأحرف العربية إلى اللاتينية.[41]
بقيت تركيا محايدة خلال معظم الحرب العالمية الثانية ولكنها دخلت إلى جانب الحلفاء في 23 فبراير 1945 كبادرة حسن نية وأصبحت في عام 1945 عضوًا في الأمم المتحدة.[42] كانت تركيا تواجه صعوبات مع اليونان في قمع المد الشيوعي، وبعد الحرب برزت مطالب الاتحاد السوفياتي بقواعد عسكرية في المضائق التركية، ما دفع الولايات المتحدة إلى إعلان مبدأ ترومان في عام 1947، الوارد في عقيدة النوايا الأميركية لضمان أمن تركيا واليونان، وأسفر عن تدخل للجيش الأمريكي واسع النطاق، ودعم اقتصادي.[43]
انتهى جكم الحزب الواحد في عام 1945، وتبع ذلك الانتقال إلى الديموقراطية التعددية التي بقيت حاضرة بقوة على مدى عدة عقود، إلا أنها تعطلت من جراء الانقلابات عسكرية في أعوام 1960، و1971، و1980 و1997.[44] خلف أتاتورك في الحكم عصمت إينونو حتى عام 1950، وسيطر الحكم المدني على البلاد حتى عام 1973. بعد مشاركة تركيا في قوات الأمم المتحدة في الحرب الكورية، انضمت لحلف شمال الأطلسي في عام 1952، وأصبحت حصنًا منيعًا ضد التوسع السوفياتي في البحر المتوسط.
غزت تركيا قبرص في 20 يوليو عام 1974 وحتى شهر أغسطس من نفس العام، ردًا على دعم المجلس العسكري اليوناني للانقلاب على نظام الحكم في قبرص. وقد انتهت العملية العسكرية بانتصار القوات التركية، بعد إنزال تركيا لجنودها في الجزء الشمالي من جزيرة قبرص في بداية الحرب يوم 20 يوليو 1974، وسقوط المجلس العسكري اليوناني في أثينا بعدها بتسعة سنوات تم تأسيس جمهورية قبرص الشمالية التي لا تعترف بها أي دولة في العالم سوى تركيا.[45] عاد حكم العسكر بعد عام 1973 فأدى ذلك إلى وضع غير مستقر. واندلعت أعمال العنف عام 1980، ألحقه عام 1984، بتمرد حزب العمال الكردستاني المسلح ضد الحكومة التركية؛ أودى الصراع بحياة أكثر من 40ألف شخص ولا يزال إلى اليوم حيث تعاني الحكومة التركية من معارضة الأكراد والأرمن. حيث أن الأكراد يمثلون بين 20-25 مليون نسمة، وفي عام 1991، سمح الرئيس التركي أوزال بلجوء الأكراد إلى الأراضي التركية إثر ثورتهم في العراق وفي عام 1993، أصبحت تسلنو تشير أول رئيسة للوزراء في تركيا.[46] منذ تحرير الاقتصاد التركي خلال الثمانينات، تمتعت البلاد بنمو اقتصادي قوي ومزيد من الاستقرار السياسي.[47]
الجغرافيا
جسر البوسفور في اسطنبول، التي تربط بين أوروبا وآسيا.
تقع تركيا في مكان إستراتيجي [48] حيث تصل ما بين القارة الآسيوية والأوروبية، تفصل تركيا الآسيوية عن الأوروبية (تتكون في معظمها من الأناضول)، التي تضم 97 ٪ من البلاد، بمضيق البوسفور وبحر مرمرة ومضيق الدردنيل (والتي تشكل معا ارتباط المياه بين البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط). تركيا الأوروبية (شرق تراقيا روميليا أو في شبه جزيرة البلقان) تضم 3 ٪ من مساحة البلاد.[49]
تتميز تركيا بشكل مستطيلي بطول 1.600 كم والعرض 800 كم، [50] تقع ما بين خطي عرض 35 درجة و 43 درجة شمالا، وخطي طول 25 درجة و 45 درجة شرقا. تحتل تركيا المركز السابع والثلاثون عالميا من حيث المساحة. البلد محاطة بالبحار من ثلاثة جوانب: بحر ايجه إلى الغرب، والبحر الأسود في الشمال والبحر الأبيض المتوسط إلى الجنوب. وأيضا بحر مرمرة في الشمال الغربي من البلاد.[51]
المناظر الطبيعية المتنوعة في تركيا هي نتاج حركات الأرض المعقدة التي حدثت في المنطقة على مدى آلاف السنين، والواضح أنها نشطة من ناحية الزلازل والبراكين إلى حد ما. وحدث زلازل كبير عام 1999 والذي أدى إلى موت الكثير.[52]
المناخ
جبل ارارات (آغري داغي) هو أعلى قمة في تركيا في 5165 متر (16946 قدم).
تمتاز المناطق الساحلية من تركيا المطلة على بحر إيجة والبحر الأبيض المتوسط بمناخ البحر المتوسط المُعتدل، مع صيف حار وجاف وشتاء مُعتدل إلى بارد ورطب. تمتاز المناطق الساحلية من تركيا والمطلة على البحر الأسود بمناخ محيطي دافئ ورطب صيفًا وبارد ورطب في الشتاء. تهطل أكبر كمية من الأمطار على الساحل التركي من البحر الأسود وهي المنطقة الوحيدة في تركيا التي تمتاز بمعدل هطول أمطار عالية. يبلغ مُعدل هطول الأمطار في الشرقي من الساحل 2.500 ملليمتر سنويًا أعلى هطول الأمطار في البلاد.
المناطق الساحلية في تركيا المطلة على بحر مرمرة (بما في ذلك اسطنبول)، الذي يربط بين بحر إيجة والبحر الأسود، تمتاز بمناخ انتقالي بين مناخ البحر المتوسط المعتدل والمناخ المحيطي، وفصل صيف حار وجاف وشتاء بارد ومعتدل إلى بارد ورطب. لا تسقط الثلوج سنويًا في كل شتاء على بحر مرمرة والبحر الأسود. من ناحية أخُرى من النادر أن تسقط الثلوج في المناطق الساحلية لبحر إيجة، ونادرة جدًا في المناطق الساحلية للبحر الأبيض المتوسط.
مرمريس على شاطئ الريفييرا التركية.
شتاءً على الجبال. درجات الحرارة من -30 إلى -40 درجة مئوية يمكن أن يحدث في منطقة شرق الأناضول، ويبقى الثلج على الأرض مدة لا تقل عن 120 يومًا من السنة. في الغرب، تبلغ درجة الحرارة المتوسطة في فصل الشتاء أقل من 1 درجة مئوية. الصيف حار وجاف، مع درجات حرارة أعلى عمومًا 30 درجة مئوية في اليوم. المعدلات السنوية لهطول الأمطار تبلغ 400 ملليمتر (15 بوصة). المناطق الأكثر جفافًا هن سهل قونية وسهل ملاطية، حيث معدل هطول الأمطار السنوي في كثير من الأحيان أقل من 300 ملليمتر (12 بوصة). يعتبر شهر مايو الأكثر بلًلا، في حين يوليو وأغسطس هما الأكثر جفافًا.[53]
تركيا دولة علمانية ديمقراطية، وحدوية، جمهورية دستورية ذات تراث ثقافي قديم. أصبحت تركيا متكاملة على نحو متزايد مع الغرب من خلال عضويتها في منظمات مثل مجلس أوروبا وحلف شمال الأطلسي، منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، منظمة الأمن والتعاون في أوروبا وفي مجموعة العشرين (الاقتصادات الرئيسية في العالم). وبدأت تركيا مفاوضات العضوية الكاملة مع الاتحاد الأوروبي في عام 2005، مع العلم أنها كانت عضوًا منتسبًا السوق الأوروبية المشتركة منذ عام 1963، وفي عام 1995، تم التوصل إلى اتفاق الاتحاد الجمركي. وقد عززت تركيا أيضًا علاقات ثقافية وثيقة وسياسية واقتصادية وصناعية مع الشرق الأوسط، والدول التركية في آسيا الوسطى والبلدان الأفريقية من خلال عضويتها في منظمات مثل مجلس تركيا، والإدارة المشتركة للفنون والثقافة التركية، ومنظمة التعاون الإسلامي ومنظمة التعاون الاقتصادي. موقع تركيا على مفترق الطرق بين أوروبا وآسيا جعل منها بلدًا ذات أهمية جيواستراتيجية كبيرة.[8][9][10]. ونظرا لموقعها الاستراتيجي، والاقتصاد والقوة العسكرية الكبيرة، تعتبر تركيا قوة إقليمية كبرى.[10][11]
يقع مضيقا البوسفور والدردنيل وبحر مرمرة - التي تصل البحر الأسود ببحر إيجة وتصل آسيا بأوروبا - في أراضيها مما يجعل موقعها إستراتيجيا ومؤثرًا على الدول المطلة على البحر الأسود. كانت تركيا مركزًا للحكم العثماني حتى عام 1922م إلى أن تم إنشاء الجمهورية التركية عام 1923 على يد مصطفى كمال أتاتورك.
أصل التسمية
ويمكن تقسيم اسم تركيا، Türkiye في اللغة التركية، إلى مكونين هما : الاسم القومي Türk، الذي يشير إلى القومية/الشعب التركي، ويضاف إلى الكلمة المقطع iye التي تأتي بمعاني «المالك»، «أرضنا» أو «المرتبط بنا». (المشتقة من المقطع iyya المأخوذ من اللغة العربية، المشابه للمقطع –ia في اللغة اليونانية واللاتينية). يرجع أول استخدام مسجل لمصطلح «Türk»، أو «Türük»، باعتبارها اسم خارجي إلى كتابات غوكتورك (Göktürks أو Kök Türks) بالأبجدية التركية القديمة، في آسيا الوسطى (القرن الثامن الميلادي). Tu–kin وهو والاسم الذي أعطي من قبل الصينيين -في وقت مبكر من 177 قبل الميلاد- الذين يعيشون إلى الجنوب من جبال ألتاي في آسيا الوسطى. الكلمة الأنجليزية «Turkey» من الكلمة Turchia في العصور اللاتينية الوسطى (1369).[12] المشابهة لهذا الاسم في اليونانية، Tourkia، المستخدم أصلا من قبل البيزنطيين الإغريق في القرون الوسطى لوصف المجر.[13] [14] (المجريين والأتراك لهم صلات الأجداد)، لكنها بدأت لاحقًا استخدام هذا الاسم لتحديد الأجزاء التي تسيطر عليها السلاجقة في الأناضول في القرون التي تلت معركة ملاذكرد في عام 1071.
جزء من أسوار طروادة (السور السابع)، كما حدد في موقع حرب طروادة (حوالي العام 1200 قبل الميلاد).
جزيرة الأناضول، والتي تضم معظم تركيا الحديثة، وتعتبر واحدة من أقدم المناطق السكنية في العالم. وأقدم مستوطنات سكنية تعود إلى العصر الحجري الحديث.[15] ظهرت مستوطنة طروادة في العصر الحجري الحديث واستمرت حتى العصر الحديدي، ووصلنا من خلال التاريخ المسجل أن الاناضول قد تحدثت بلغات هندو أوروبية، والكارتفيلية، والسامية، فضلاً عن غيرها من اللغات.[16] جاء الحيثيون من الهند الأوروبية إلى الأناضول تدريجيًا من الفترة 2000-1700 ق.م. حين تم تأسيس أول امبراطورية كبرى في المنطقة من قبلهم في القرن الثامن عشر قبل الميلاد وحتى القرن الثالث عشر. استعمر الآشوريين أجزاء من جنوب شرق تركيا في وقت يرجع إلى عام 1950 قبل الميلاد حتى عام 612 قبل الميلاد، عندما تم غزو الامبراطورية الآشورية من قبل الأسرة الكلدانية في بابل.[17][18]
مكتبة سيلسوس في أفسس عام 135 م.
حكم الفيرجيون آسيا الصغرى بعد انهيار الإمبراطورية الحيثية في القرن الثالث عشر قبل الميلاد وحتى انهيارهم وصعود ليديا في القرن السابع قبل الميلاد.[19] أسست العديد من المدن الهامة من هذه المستعمرات، مثل ميلتوس، أفسس، سميرنا (ازمير حاليا)، وبيزنطة (القسطنطينية التي أصبحت في وقت لاحق اسطنبول). سميت أول دولة أنشئت في الأناضول من قبل شعوب المجاورة باسم أرمينيا. غزي الأناضول من قبل الامبراطورية الفارسية الأخمينية خلال القرن الخامس والسادس وسقطت لاحقا بيد الإسكندر الأكبر في عام 334 قبل الميلاد.[20] بعد ذلك تم تقسيم الأناضول إلى عدد من الممالك الصغيرة الهلنستية (هي بيثينيا، كابادوكيا، برغامس، والبنطس)، والتي استسلمت للجمهورية الرومانية في منتصف القرن الأول قبل الميلاد.[21] في عام 324 اختار الامبراطور الروماني قسطنطين بيزنطة لتكون العاصمة الجديدة للإمبراطورية الرومانية واطلق عليها اسم روما الجديدة (التي أصبح اسمها القسطنطينية لاحقًا وبعد لك إسطنبول). وأصبحت القسطنطينية مركز المسيحية الشرقية ومركز حضاري عالمي.[22] بعد سقوط الامبراطورية الرومانية الغربية، وأصبحت عاصمة الإمبراطورية البيزنطية (الامبراطورية الرومانية الشرقية).[23] عقدت في تركيا أغلب المجامع المسكونية بحكم كونها عاصمة الإمبراطورية لعلّ أهمها مجمع نيقية ومجمع أفسس ومجمع خلقيدونية؛ تاخمت الدولة البيزنطيّة حدود الدولة الأموية عند جبال طوروس والتي عُرفت باسم "دول الثغور" التي تناوب على حكمها الطرفين، حتى تمكن السلاجقة من احتلال أواسط الأناضول وتأسيس مملكة مُسلمة فيها، كذلك فقد تمكن خلال القرن العاشر البيزنطيون استعادة طوروس واحتلّوا أنطاكية وحلب قرابة القرن. خلال العصر الذهبي للالامبراطورية البيزنطية خاصًة تحت حكم الأسرة المقدونية والكومنينيون ففي عهدهم مرت الامبراطورية البيزنطية نهضة ثقافية وعلمية وكانت القسطنطينية في عهدهم المدينة الرائدة في العالم المسيحي من حيث الحجم والثراء والثقافة.[24] خلال الحروب الصليبية، تأسست مملكة قونية في جنوب تركيا الحاليّة إلى جانب إمارة أنطاكية، وتحالفت الإمبراطورية البيزنطيّة مع الوافدين غير مرّة لعل أشهرها مع مملكة بيت المقدس بهدف احتلال مصر، غير أن الحملة فشلت. يذكر أن الحملة الصليبية الرابعة قد اتجهت صوب القسطنطينية نفسها واحتلتها عام 1261 غير أن الدولة لم تعمّر طويلاً، ورغم إعادة تكوّن الإمبراطوريّة البيزنطيّة في القرن الرابع عشر لم تكن دولة قويّة ولم تكتسب مجددًا مجدها السابق، أما داخل تركيا الحالي أيْ الأناضول، كان مقسمًا إلى دويلات ومقاطعات إسلاميّة صغيرة متناحرة طوال القرنين الرابع عشر والخامس عشر، إلى أن سطع نجم عثمان الأول محاربًا البيزنطيين ومحتلاً مدنًا وحصونًا تحت سيطرتهم، ثم قام وخلفاؤه بالاستدارة صوب الممالك الصغيرة المجاورة قاضمًا إياها الواحدة تلو الأخرى مؤسسًا بذلك الدولة العثمانية.[25]
الدولة العثمانية
توسّع الدولة العثمانية منذ قيامها حتى بداية دور الركود في سنة 1683.
حكم عثمان الأول مملكته حتى 1326، وبعد وفاته أصبح أورخان ابنه سلطانًا استطاع احتلال بورصة وعمل على توسيع حدود الدولة وتنمية اقتصادها،[26] عمل أورخان على توسيع الدولة، فنشأ بينه وبين البيزنطيين صراعٌ عنيف كان من نتيجته استيلاؤه على مدينتيّ إزميد ونيقية. وفي عام 1337 شنّ هجومًا على القسطنطينية عاصمة البيزنطيين نفسها، ولكنه أخفق في احتلالها.[27] شهدت الدولة في عهد أورخان أوّل استقرار للعثمانيين في أوروبا، وأصبحت الدولة العثمانية تمتد من أسوار أنقرة في آسيا الصغرى إلى تراقيا في البلقان،[28][29] وعمل على نشر الإسلام.
من المحطات البارزة في عهد تكوّن الدولة العثمانية، سيطرة بايزيد الأول على مدينة آلاشهر آخر ممتلكات الروم في آسيا الصغرى، وأخضع بلغاريا عام 1393. وعند احتلال بلغاريا أصيبت أوروبا بالذعر وحشدت بطلب البابا بونيفاس التاسع حملة صليبية شاركت فيها المجر وفرنسا وبافاريا ورودس والبندقية وإنكلترا والنمسا وفرسان القديس يوحنا غير أنها وبنتيجة معركة نيقوبولس فشلت.[30][31] في عام 1402 سقطت تركيا والدولة العثمانية بيد تيمورلنك بعد هزيمة العثمانيين في معركة أنقرة، وكان من نتيجة المعركة أسر السلطان ونقله إلى سمرقند، عاصمة الدولة المغولية حيث مكث فيها إلى أن توفي عام 1403.[32]
شهد العرش العثماني شغورًا بعد وفاة بايزيد الأول، ونشبت حروب أهليّة ضاريّة إلى أن تمكن محمد الأول من الاستفراد بالحكم،[33] ومن بعده جاء محمد الثاني وفي عهده تمكن العثمانيون من فتح القسطنطينية ناقلين إليها عاصمة الدولة،[34] وغدا اسمها "إسلامبول" أي "تخت الإسلام" أو "مدينة الإسلام".[35] تابع محمد الفاتح حروبه التوسعيّة واحتلّ أجزاءً من اليونان والبوسنة والهرسك وألبانيا. بعد وفاته، وقعت حرب أهلية جديدة بين ولديه جمّ وبايزيد الثاني، ولما كانت الغلبة من نصيب الثاني تمكنّ من توحيد عرش الإمبراطورية تحت رايته مجددًا.[36]
معركة موهاج والغزو العثماني للمجر، بريشة بيرطلان سيزيكيلي.
توفي بايزيد الثاني عام 1512 وغدا سليم الأول سلطانًا، وفي عهده توّسع العثمانيون جنوبًا وشرقًا، فهزم الصفويين والمماليك وفتح العثمانيون أغلب الشرق الأوسط بعد معركة مرج دابق عام 1516، بما فيها المدن الإسلامية المقدسة أي مكة والمدينة المنورة والقدس، وقد غدا سليم الأول بعد هذا "الفتح" سلطانًا وخليفة. بعد وفاته عام 1520، ارتقى العرش ابنه سليمان القانوني الذي وصلت الدولة في عهده إلى أوج قوتها عسكريًا واقتصاديًا وعلى صعيد السياسة الخارجيّة إذ شهد عهد القانوني أول تحالف بين العثمانين وأوروبا ممثلة بفرنسا ضد أوروبا نفسها،[37] أما أبرز الفتوح كانت في جنوب المجر وترانسلفانيا ورودوس في الغرب،[38] وبغداد وتبريز في الشرق.[39] توفي القانوني عام 1566، وأخذ نجم الدولة بالأفول من بعده وبشكل تدريجي، تابعت الدولة توسعها بضمّ قبرص وتونس في عهد سليم الثاني، وهزموا في بوخارست في عهد سليم الثالث، وأخذت الفرق العسكرية العثمانية المعروفة باسم الإنكشارية تتحول من أداة قوّة الدولة إلى أداة ضعفها فخلعت عددًا من السلاطين والصدور العظام وقتلت البعض الآخر أمثال إبراهيم الأول، كما أن الثورة الصناعيّة في أوروبا والاكتشافات الحديثة التي مكنت الغرب من تطوير نظام جديد للحياة بقي بعيدًا عن الدولة العثمانيّة، التي مكثت نظامًا زراعيًا وإقطاعيًا على هامش التطور الحاصل في الغرب. حتى المناطق التي دانت بيُسر للدولة أمثال سوريا العثمانية أخذت تنتفض وتحاول الاستقلال؛ تُعرف هذه المرحلة في التاريخ العثماني باسم "مرحلة الجمود" وتستمر إلى القرن التاسع عشر حين أخذ السلاطين يسعون لنقل التحديث الأوروبي بحذافيره إلى البلاد، فأدخل الزيّ الغربي والمدارس الأوروبية وألغيت الإنكشارية واستبدلت بفرق نظاميّة في عهد محمود الثاني، وتابع خليفته عبد المجيد الأول الإصلاح الذي عُرف باسم "فترة التنظيمات" وفيها أخذت المحاكم التجارية والمدونات القانونيّة بالظهور فضلاً عن المساواة بين المواطنين، وهو ما استمرّ في عهد خليفته عبد العزيز الأول؛ مكث تحقيق الإصلاحات بشكل جديّ صعبًا، وتوالت هزائم الدولة وانسلاخ الأقاليم عنها على سبيل المثال انسلخت الجزائر عام 1830 بعد احتلالها من قبل فرنسا؛ وربما فإن تدهور وضع الدولة المالي هو العامل الأساس في ذلك، مع الامتيازات التجاريّة الأوروبية وانخفاض قيمة النقد العثماني حتى اضطرت إلى إعلان إفلاسها مرّتين. حاول عبد الحميد الثاني الذي وصل إلى العرش عام 1878، إيقاف العمل بالإصلاحات التي توّجت بإعلان الدستور العثماني وافتتاح البرلمان، ما عرّضه لنقمة المُصحلين.
فشل عبد الحميد الثاني في السيطرة على الدولة، وأصبح الاتحاديون حكام البلاد الفعليين، فعمدوا على تكريس القومية التركيّة في البلاد وعمدوا إلى تعميم الهويّة التركيّة في البلاد المجاورة. خلال الحرب العالمية الأولى، كانت الدولة جزءًا من دول المحور التي أصيبت بالهزيمة واضطرت إلى إخلاء جميع أراضيها الغير تركيّة مع هدنة مودروس عام 1918. تتهم الدولة العثمانية أيضًا خلال الحرب العالمية الأولى بارتكاب مجازر بحق الآشوريين وبحق الأرمن.
الجمهورية التركية
مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس وأول رئيس لجمهورية تركيا.
كانت تركيا مركزًا للحكم العثماني حتى عام 1922. وفي سنة 1922، تم خلع آخر السلاطين محمد السادس، وألغى مصطفى كمال أتاتورك الخلافة نهائيًا في العام 1924، بعد أن ألغي السلطنة في العام 1922.[40] وشهدت تركيا بعد الحرب العالمية الأولى حركة قومية قادها مصطفى كمال أتاتورك والتي تعني "أبو الأتراك"، وأعلن تركيا الجمهورية فتولى رئاستها عام 1923، حتى وفاته عام 1938، وقد تمكن من إحلال نظام علماني في البلاد، وأرسى أيضًا عددًا من العادات الغربيّة إلحاقًا للبلاد بأوروبا ومنها واستبدل الكتابة بالأحرف العربية إلى اللاتينية.[41]
بقيت تركيا محايدة خلال معظم الحرب العالمية الثانية ولكنها دخلت إلى جانب الحلفاء في 23 فبراير 1945 كبادرة حسن نية وأصبحت في عام 1945 عضوًا في الأمم المتحدة.[42] كانت تركيا تواجه صعوبات مع اليونان في قمع المد الشيوعي، وبعد الحرب برزت مطالب الاتحاد السوفياتي بقواعد عسكرية في المضائق التركية، ما دفع الولايات المتحدة إلى إعلان مبدأ ترومان في عام 1947، الوارد في عقيدة النوايا الأميركية لضمان أمن تركيا واليونان، وأسفر عن تدخل للجيش الأمريكي واسع النطاق، ودعم اقتصادي.[43]
انتهى جكم الحزب الواحد في عام 1945، وتبع ذلك الانتقال إلى الديموقراطية التعددية التي بقيت حاضرة بقوة على مدى عدة عقود، إلا أنها تعطلت من جراء الانقلابات عسكرية في أعوام 1960، و1971، و1980 و1997.[44] خلف أتاتورك في الحكم عصمت إينونو حتى عام 1950، وسيطر الحكم المدني على البلاد حتى عام 1973. بعد مشاركة تركيا في قوات الأمم المتحدة في الحرب الكورية، انضمت لحلف شمال الأطلسي في عام 1952، وأصبحت حصنًا منيعًا ضد التوسع السوفياتي في البحر المتوسط.
غزت تركيا قبرص في 20 يوليو عام 1974 وحتى شهر أغسطس من نفس العام، ردًا على دعم المجلس العسكري اليوناني للانقلاب على نظام الحكم في قبرص. وقد انتهت العملية العسكرية بانتصار القوات التركية، بعد إنزال تركيا لجنودها في الجزء الشمالي من جزيرة قبرص في بداية الحرب يوم 20 يوليو 1974، وسقوط المجلس العسكري اليوناني في أثينا بعدها بتسعة سنوات تم تأسيس جمهورية قبرص الشمالية التي لا تعترف بها أي دولة في العالم سوى تركيا.[45] عاد حكم العسكر بعد عام 1973 فأدى ذلك إلى وضع غير مستقر. واندلعت أعمال العنف عام 1980، ألحقه عام 1984، بتمرد حزب العمال الكردستاني المسلح ضد الحكومة التركية؛ أودى الصراع بحياة أكثر من 40ألف شخص ولا يزال إلى اليوم حيث تعاني الحكومة التركية من معارضة الأكراد والأرمن. حيث أن الأكراد يمثلون بين 20-25 مليون نسمة، وفي عام 1991، سمح الرئيس التركي أوزال بلجوء الأكراد إلى الأراضي التركية إثر ثورتهم في العراق وفي عام 1993، أصبحت تسلنو تشير أول رئيسة للوزراء في تركيا.[46] منذ تحرير الاقتصاد التركي خلال الثمانينات، تمتعت البلاد بنمو اقتصادي قوي ومزيد من الاستقرار السياسي.[47]
الجغرافيا
جسر البوسفور في اسطنبول، التي تربط بين أوروبا وآسيا.
تقع تركيا في مكان إستراتيجي [48] حيث تصل ما بين القارة الآسيوية والأوروبية، تفصل تركيا الآسيوية عن الأوروبية (تتكون في معظمها من الأناضول)، التي تضم 97 ٪ من البلاد، بمضيق البوسفور وبحر مرمرة ومضيق الدردنيل (والتي تشكل معا ارتباط المياه بين البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط). تركيا الأوروبية (شرق تراقيا روميليا أو في شبه جزيرة البلقان) تضم 3 ٪ من مساحة البلاد.[49]
تتميز تركيا بشكل مستطيلي بطول 1.600 كم والعرض 800 كم، [50] تقع ما بين خطي عرض 35 درجة و 43 درجة شمالا، وخطي طول 25 درجة و 45 درجة شرقا. تحتل تركيا المركز السابع والثلاثون عالميا من حيث المساحة. البلد محاطة بالبحار من ثلاثة جوانب: بحر ايجه إلى الغرب، والبحر الأسود في الشمال والبحر الأبيض المتوسط إلى الجنوب. وأيضا بحر مرمرة في الشمال الغربي من البلاد.[51]
المناظر الطبيعية المتنوعة في تركيا هي نتاج حركات الأرض المعقدة التي حدثت في المنطقة على مدى آلاف السنين، والواضح أنها نشطة من ناحية الزلازل والبراكين إلى حد ما. وحدث زلازل كبير عام 1999 والذي أدى إلى موت الكثير.[52]
المناخ
جبل ارارات (آغري داغي) هو أعلى قمة في تركيا في 5165 متر (16946 قدم).
تمتاز المناطق الساحلية من تركيا المطلة على بحر إيجة والبحر الأبيض المتوسط بمناخ البحر المتوسط المُعتدل، مع صيف حار وجاف وشتاء مُعتدل إلى بارد ورطب. تمتاز المناطق الساحلية من تركيا والمطلة على البحر الأسود بمناخ محيطي دافئ ورطب صيفًا وبارد ورطب في الشتاء. تهطل أكبر كمية من الأمطار على الساحل التركي من البحر الأسود وهي المنطقة الوحيدة في تركيا التي تمتاز بمعدل هطول أمطار عالية. يبلغ مُعدل هطول الأمطار في الشرقي من الساحل 2.500 ملليمتر سنويًا أعلى هطول الأمطار في البلاد.
المناطق الساحلية في تركيا المطلة على بحر مرمرة (بما في ذلك اسطنبول)، الذي يربط بين بحر إيجة والبحر الأسود، تمتاز بمناخ انتقالي بين مناخ البحر المتوسط المعتدل والمناخ المحيطي، وفصل صيف حار وجاف وشتاء بارد ومعتدل إلى بارد ورطب. لا تسقط الثلوج سنويًا في كل شتاء على بحر مرمرة والبحر الأسود. من ناحية أخُرى من النادر أن تسقط الثلوج في المناطق الساحلية لبحر إيجة، ونادرة جدًا في المناطق الساحلية للبحر الأبيض المتوسط.
مرمريس على شاطئ الريفييرا التركية.
شتاءً على الجبال. درجات الحرارة من -30 إلى -40 درجة مئوية يمكن أن يحدث في منطقة شرق الأناضول، ويبقى الثلج على الأرض مدة لا تقل عن 120 يومًا من السنة. في الغرب، تبلغ درجة الحرارة المتوسطة في فصل الشتاء أقل من 1 درجة مئوية. الصيف حار وجاف، مع درجات حرارة أعلى عمومًا 30 درجة مئوية في اليوم. المعدلات السنوية لهطول الأمطار تبلغ 400 ملليمتر (15 بوصة). المناطق الأكثر جفافًا هن سهل قونية وسهل ملاطية، حيث معدل هطول الأمطار السنوي في كثير من الأحيان أقل من 300 ملليمتر (12 بوصة). يعتبر شهر مايو الأكثر بلًلا، في حين يوليو وأغسطس هما الأكثر جفافًا.[53]