يشعر الرجل عادة بالتوتر عندما يفكر في أنه سيصبح أبًا للمرة الأولى، وربما يتخيل أنه لن ينجح أبدًا في هذه المهمة التي تبدو له مستحيلة في بعض الأحيان.
ويمر الرجل بعدة صراعات، منها مثلا: هل يربى طفله على ما تربى هو عليه، أم وفقًا للقيم والأخلاقيات التي اًصبحت سائدة في عصره، وإن كانت لا ترضيه أو يجد أنها ليست بالأصالة التي اعتاد عليها في منزله.
يشغل الرجل باله كذلك بفكرة هل سيحبه طفله، وهل سيكون له الأب المثالي الذي يملأ عينيه، ويلعب دور القدوة والقائد في حياته، ويجعله لا يحتاج أحدا سواه؟
سؤال آخر أكثر إلحاحا يطرق ذهن الرجل: هل يتمكن من توفير الحياة الكريمة التي يتمناها لطفله، ويهون عليه الكثير من الصعاب التي واجهها هو في حياته.
وعلى عكس ما يعتقد بعض الناس، فإن ممارسة الأبوة بشكل صحيح تحتاج لبعض المعلومات والمهارات التي تتطلب بذل بعض الجهد، كي تؤتي ثمارها. فلا بد مثلا أن تعرف مراحل نمو طفلك، ومتطلباته في كل مرحلة، لا تترك جميع المهام للأم، دورك لا يقل أهمية عنها إن لم يزد. فإذا كان يحصل منها على الحنان والرعاية فإنه سيحصل منك على الكثير من الأشياء كالقدوة والمثال وطريقة إدارة أموره في الحياة.
ينبغي لك كذلك أن تضع إستراتيجية واضحة وتخطط له ولمستقبله منذ البداية، حتى لا تكون هناك مفاجآت. كل شيء ينبغي أن يسير وفق ما خططت له، حتى إن انحرف بعض الشيء عن مساره، يجب ألا يطيل الانحراف ويعود سيرته الأولى فورا.
استعن كذلك بخبرة من سبقوك، خذ أفضل ما لدى كل منهم، وطوّر منهجك باستمرار، وراع طبيعة وظروف العصر الذي تعيش فيه، وكن مرنًا ومتقبلا للتغيير. المهم في النهاية مراعاة صالح طفلك، لا إثبات صحة نظرياتك أو كفاءتك التربوية.
القراءة أيضًا ينبغي أن تمثل ركنا مهما في حياتك منذ هذه اللحظة، حيث تزودك بحلول لأغلب المشاكل التي يمكن أن تواجهك خلال هذه المرحلة، ربما ينبغي لك أيضًا أن تحضر بعض الدورات التدريبية التي تعدها مراكز التأهيل النفسي والتربوي، والتي يمكن خلالها الاطلاع بشكل عملي على حلول بعض المعضلات التي ربما تظن أنها بلا حل.
أهم شيء: أن توحّد طريقة وأسلوب التعامل مع طفلك، بينك وبين والدته، لا تسببا الحيرة له، ولا تربكاه، أو تجعلاه يتمزق بين أسلوب كل منكما. وفّرا الوقت لأشياء أكثر أهمية وإفادة. وامنحاه الفرصة ليستفيد منكما معا في نفس الوقت.
على مستوى آخر، وطّد علاقتك بطفلك، كن سببا في بهجته وإشباعه نفسيًا. اقض معه أطول وقت ممكن، في الفترة الأولى من حياته سوف يحتاج إليك. عندما يكبر تقل حاجاته وتقل الفترات التي يمكن أن يقضيها بصحبتك. فلا تُضِع فترة احتياجه إليك وتهدرها بعيدا عنه بدعوى الانشغال بالعمل أو بأي شيء آخر.
لا تستكثر على طفلك ابتسامك في وجهه، واحتضانه، ومداعبته، والاستجابة لرغباته البريئة، وتعليمه الخطأ من الصواب، وتزويده بمختلف المهارات الحياتية التي سيحتاجها في رحلته المقبلة. ولا تحرمه حنانك أو تعوّض فيه نقصك، أو تعتبره حقل تجارب، تثبت من خلاله نظرياك الخاصة.
وختاما، إليك هذه القصة الروسية التي تثبت كم أن كل طفل في حاجة ماسة لأبيه.
يحكى أن طفلا مات والده، فعاش وحيدا مع أمه، وسؤال قاس يؤرّقه: لماذا لا يكون لي أبٌ مثل الأطفال، أنتظره، ويوجهني، وأشعر معه بالأمان؟ وفي يوم اشتد حنين إلى ذلك الأب الحاضر الغائب في حياته، وبينما كان يتجول هائما على وجهه، لمح "مانيكان" على هيئة رجل، في أحد المحال، فدخل إليه بشوق ولهفة وسأل البائع: بكم يبيع هذا المانيكان.
فلا تحرم طفلك منك، أنت أهم عنده من كنوز الأرض.