نساء مجاهدات في الاسلام
[size=32]أسهمت النساء الصحابيات رضي الله عنهن إسهاما ملحوظا في حياة الأمة، وشاركن رضي الله عنهن بقوة في حياة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مشاركة فعالة متميزة في إنشاء خير أمة أخرجت للناس، وبناء مجتمع العمران الأخوي الأول بالمدينة، واخترن الإسلام باستقلال، وصبرن وتحملن الأذى، وقاتلن في سبيل الله تعالى وقدمن أول شهيد هي أم عمّار سُمَيّة زوج ياسر رضي الله عنهم. قاتلن اليهودي وصمدن في وجه البغاة، وقاتلن بالسيف والخنجر وحطمن رؤوس الروم بعمود الفسطاس وغزون القسطنطينية...
كانت المرأة المسلمة طاقة من طاقات الجهاد، حاضرة أقوى حضور يومئذ، تقاوم الوضع القائم، ومُؤسسة لمشروع قلب العالم، ولم تكن حبيسة بيت الجهل والاستقالة من الحياة.
هاجرت البطلة أم عبد الله بنت أبي خيثمة إلى الحبشة فاعترضها عمر بن الخطاب وهي تستعد للهجرة مع زوجها، وقال لها: إنه لَلاِنطلاق يا أم عبد الله! قالت بقوة المؤمنة المجاهدة الشجاعة: "نعم والله! لنخرجن في أرض الله. آذيتمونا وقهرتمونا حتى يجعل الله مخرجا". قال عمر: صَحِبكم الله! حاولت الصحابية البطلة كسب عمر إلى صف الإسلام.
كانت الصحابية الجليلة فاطمة بنت الخطاب أخت عمر قد أسلمت وأخفت إسلامها هي وزوجهـا سعيد بن زيد رضي الله عنهم. وكان خبَّاب بن الأَرَتّ يأتيهما ليعلمهما القرآن خفية. فخرج عمر يوما متوشّحا سيفه يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ورهطا من أصحابه قد ذُكروا له أنهم قد اجتمعوا في بيتٍ عند الصّفا، وهم قريبٌ من أربعين ما بين رجال ونساء.
فلقيه نعيم بن عبد الله فقال له أين تريد يا عمر ؟ فقال أريد محمدا، فأقتله فقال له نعيم والله لقد غرتك نفسك من نفسك يا عمر أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الأرض وقد قتلت محمدا أفلا ترجع إلى أهل بيتك فتقيم أمرهم ؟ قال . وأي أهل بيتي ؟ قال ختنك وابن عمك سعيد بن زيد بن عمرو وأختك فاطمة بنت الخطاب ، فقد والله أسلما ، وتابعا محمدا على دينه فعليك بهما ؛ قال فرجع عمر عامدا إلى أخته وختنه وعندهما خباب بن الأرت معه صحيفة فيها : {طه} يقرئهما إياها، فلما سمعوا حس عمر تغيب خباب في مخدع لهم أو في بعض البيت وأخذت فاطمة بنت الخطاب الصحيفة فجعلتها تحت فخذها، ودخل عمر على أخته، فبطَش بخَتَنه سعيد بن زيد، وضرب أخته فشجها، فتحدثه قائلة: نعم قد أسلمنا وآمنا بالله ورسوله، فاصنع ما بدا لك. ندم عمر لما رأى ما فعل بأخته والدماء تسيل من رأسها. واتعظ بصمود امرأة، وتناول الصحيفة، وقرأ من سوره طَهَ فهداه الله للإسلام.
أما أم الفضل زوج العباس رضي الله عنها فقد أسلمت قبل زوجها وأسلم معها ابنها عبد الله وهو غلام صغير. قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: "كنت أنا وأمي من المستضعفين: أنا من الوِلدان. وأمي من النساء". رواه البخاري. غلام صغير تبع أمه إلى الهدى ودين الحق، ولم يقعد مع أبيه على دين قومه.
وحضرت المرأة البطلة في الموقف الحاسم في بيعة العقبة مع ثلاثة وسبعين رجلا وامرأتين هما: أم عُمارة نُسَيبة بنت كعب وأسماء بنت عمرو. بايعتا مع الرجال على: "السمع والطاعة في عُسرنا ويُسرنا، ومَنشطنا ومَكرهنا، وأثَرَةٍ علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، وأن نقول الحق أينما كنا، لا نخاف في الله لومة لائم". بايعوهُ على أن يحاربوا معه الأحمر والأسود، وأن يحموه مما يحمون منه نساءهم. ووفّوْا رضي الله عنهم، وقاتلت أم عُمارة بالنبل والسيف.
أسلمت زينب الكبرى بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبقي زوجها أبو العاص بن الربيع مشركا، فهاجرت وتركته.
أما أم كلثوم رضي الله عنها، فقد كان أبوها عقبة بن أبي مُعَيط أشدّ كفار قريش عداوة للمسلمين. أسلمت من دون أهلها جميعا، وهي عاتق، وهاجرت بعد صلح الحديبية مع المُمْتَحنات؛ أميمة بنت بِشْر، وسُبيعة بنت الحارث، وبَرْوَع بنت عقبة، وعبدة بنت عبد العزيز. تركن الأزواج والأهل والديار وهاجرن إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم.
أما أم سَلَمة رضي الله عنها-وهي التي أصبحت من بعدُ زوجا للنبي صلى الله عليه وسلم بعد موت زوجها الأول- فإنها أكبر نموذج للصبر والتحمل. لما أزْمع زوجها أبو سلمة الهجرة رحَّل لها بعيرا وأركبها ووضع ابنها الطفل سَلَمَة في حجرها. فجاءه بنو المغيرة فنزعوا خطام البعير من يده، وتجاذبوا البُنَيّ سلَمةَ حتى خلعوا يده وأمه تنظر. وفرقوا بينها وبين ابنها وزوجها. فأمسَت سَنَة تبكي حتى رقَّ لها بعضهم. فهاجرت رضي الله عنها لتستقبل بعد حين حياة السعادة الأبدية مع أمهات المؤمنين رضي الله عنهن جميعا.
وشاركت أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها في الصمود للعدو، ومخالفةِ القوم في الدين، ومفارقة الأهل والديار، والصبر على البلاء في النفس والزوج والولد. وشاركت يوم الحديبية بالرأي السديد الذي يدل على كفاءة المرأة المؤمنة في المواقف السياسية الحرجة.
روى الإمام البخاري رحمه الله عن المسور بن مخرمة ومروان رضي الله عنهما قالا: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية(...) فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قَضِيَّةِ الْكِتَابِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لأَصْحَابِهِ « قُومُوا فَانْحَرُوا ، ثُمَّ احْلِقُوا » . قَالَ فَوَاللَّهِ مَا قَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ، فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ ، فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِىَ مِنَ النَّاسِ . فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، أَتُحِبُّ ذَلِكَ اخْرُجْ ثُمَّ لاَ تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ ، وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ . فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ ، حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ نَحَرَ بُدْنَهُ ، وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ . فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ ، قَامُوا فَنَحَرُوا ، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا ، حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا غَمًّا".
أما سيدتنا أسماء الصديقية ذات النطاقين رضي الله عنها فنقرأ في سيرتها المشرقة درسا بليغا في الرُّشد والشجاعة والصدق وكمال الزوج وبطولة الأم. حزَمت لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبيها زادهما استعدادا للهجرة المباركة إلى المدينة. هاجرت وهي حامل. زوجها الزبير رضي الله عنه وكانت زوجه الكريمة ترعاه وترعى فرسه. فلما كان عهد بني أمية، وقـام ابنها عبد الله بن الزبير قومة لله تعالى في وجه سلطان جائر وظالم، وهجم عليه بالمنجنيق الحجاجُ بن يوسف الثقفي دخل عليها عبد الله وهي ابنة مائة سنة لم يسقُط لها سن ولم يفقد لها بصر. وكان البطل عبد الله ابن خمس وسبعين سنة، فأوصته أن يصمد ويقاتل لتقَرّ عينها بنصره، أو يموت كريما فتحْتَسِبه، ونهته عن قبول الصلح مع العدو.
يروي الإمام مسلم رحمه الله أن الحجاج الثقفي أرسل إلى أسماء الصديقية رضي الله عنها بعد أن قتل ابنها وصلبه، "فَأَبَتْ أَنْ تَأْتِيَهُ فَأَعَادَ عَلَيْهَا الرَّسُولَ لَتَأْتِيَنِّي أَوْ لأَبْعَثَنَّ إِلَيْكِ مِنْ يَسْحَبُكِ بِقُرُونِكِ - قَالَ - فَأَبَتْ وَقَالَتْ: وَاللَّهِ لاَ آتِيكَ حَتَّى تَبْعَثَ إِلَيَّ مَنْ يَسْحَبُنِي بِقُرُونِي. فَقَالَ: أَرُونِي سِبْتَيَّ. فَأَخَذَ نَعْلَيْهِ ثُمَّ انْطَلَقَ يَتَوَذَّفُ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهَا فَقَالَ: كَيْفَ رَأَيْتِنِي صَنَعْتُ بِعَدُوِّ اللَّهِ؟ قَالَتْ: رَأَيْتُكَ أَفْسَدْتَ عَلَيْهِ دُنْيَاهُ وَأَفْسَدَ عَلَيْكَ آخِرَتَكَ، بَلَغَنِي أَنَّكَ تَقُولُ لَهُ يَا ابْنَ ذَاتِ النِّطَاقَيْنِ أَنَا وَاللَّهِ ذَاتُ النِّطَاقَيْنِ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكُنْتُ أَرْفَعُ بِهِ طَعَامَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَطَعَامَ أَبِي بَكْرٍ مِنَ الدَّوَابِّ وَأَمَّا الآخَرُ فَنِطَاقُ الْمَرْأَةِ الَّتِي لاَ تَسْتَغْنِي عَنْهُ، أَمَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَدَّثَنَا: « أَنَّ فِي ثَقِيفٍ كَذَّابًا وَمُبِيرًا». فَأَمَّا الْكَذَّابُ فَرَأَيْنَاهُ وَأَمَّا الْمُبِيرُ فَلاَ إِخَالُكَ إِلاَّ إِيَّاهُ. فَقَامَ عَنْهَا وَلَمْ يُرَاجِعْهَا".[/size]